
أين يذهب الموتى؟
للأسف، لم يعد أحد من الموتى ليخبرنا.
قد لا يذهبون، ربما لازالوا فى مكان ما و لم نعثر عليهم بعد، أو هى رغبتهم أن لا نعثر عليهم. ربما أخطأنا حين اسميناهم "موتى" لأنهم لا يموتون بل ينتقلون خفيفين بلا مراعاة للوقت، لمشاعرنا و إحتياجنا لهم تاركين خلفهم "نحن" ضمن كل ذكرياتهم، أشيائهم، صفاتهم و حبنا العظيم لهم. إختاروا الإنتقال فجأة ليتجاوزوا تكاليف الوداع المؤلمة.
و ربما هم لا يموتون و لا حتى ينتقلون بل يصلون قبلنا فقط، إلى هناك حيث يجب أن نصل كلنا. ولو عادوا، يوماً لا أجزم سوى بأمر واحد،، سيتناولون أقراص الموت مع الإفطار كل يوم ليعودو من حيث عادوا.
لا يكلفهم إنتقالهم/وصولهم أي عناء، و لا يستغرقون وقتاً طويلاً فى الإنتقال ب "كلهم" فجأة يرحلون كفقاعة تكونت و اختفت دون أدنى أثر يدل عليها و يثبت انها كانت. و "لأن الموت لا يوجع الموتى بل يوجع الأحياء" لا يتألمون.
نحن الأحياء، نعض على قلوبنا من الألم، يكسو وجوهنا حزن أسود و تصبح نهاراتنا ك ليالينا، لا يشرح صدورنا الضوء.
نرتعش من فكرة البرودة فى ثلاجة الموتى، يهزنا بعنف منظر التراب و هو يصفع و جوههم لحظة الدفن، نحن من يعاني طويلاً من كل تكاليف الوداع، فراقهم و وجع ذكرياتهم، البقاء مع أشيائهم فى غرفة واحدة، بيت واحد. نحن من يتأذى إذا مسهم أحد بسوء كما لو كنا هم، نملأ جدراننا بصورهم الكبيرة و الصغيرة، بالأبيض و الأسود، أو ملونة. نطالعها بحسرة كل يومٍ و قد نبكي كثيراً، طويلاً. ثم ما نلبث ان نعود لسرورنا و تعود حياتنا - التى لم تتوقف - إلى سيرها حيث كنا و كانوا.
من يتذكرهم؟
تضيق ذواكرنا بالأحياء، نعبر صورهم على الجدران فى اليوم مئة مرة دون نظرة، و لا يشعرنا الغبار الذى يغطيها بأي ذنب، يعبرون كلامنا كغصة نتجاوزها مسرعين فى الحديث، إن كنا ننسى أو ندعى النسيان فليس ثمة فرق..
عذراً أيها الموتى ؛ تضيق ذواكرنا بالأحياء، و تظل رحمة الله أوسع.
No comments:
Post a Comment